الاثنين، 28 سبتمبر 2009

المرض الممتع

المرض الممتع
البالببلومانيا



وهو مصطلح نفسي يشير إلى (حالة متطرفة من حب الكتب وجمعها)، والإشارات الأولى لهذا المرض تبدأ بالشعور بالبهجة والسرور عند مشاهدة أي كتاب سرعان ما تنقلب إلى رغبة جامحة في مطالعته واقتنائه .. أما المرحلة المتقدمة فتتميز بالرغبة في تجميع أكبر قدر من الكتب لمجرد التجميع على افتراض قراءتها "ذات يوم" .. وقد يبلغ حب الكتب حد استخدام جلود الموتى لتجليدها كما كان يفعل بنيامين بتلر (أحد حكام مدينة نيو أوريلنز السابقين) أو تحميلها على ثلاثين جملاً ومرافقتها في كل مكان كما كان يفعل الصاحب بن عباد (الذي بالكاد تخلص من هذه العادة حين استعاض في أسفاره بكتاب الأغاني للأصفهاني) .. وفي الواقع يمكن تشبيه هؤلاء الجهابذة بجامعي التحف والأثريات النادرة. فهم مثل خبراء الآثار يتعرفون فورا على الكتب الفريدة من رائحتها وملمسها والمادة التي جلدت بها .

يمكن تعريف الببلوماني الأصيل من خلال الأعراض التالية :

- الببلوماني إن احترق منزله أول ما يفكر فيه إنقاذه كتبه الخاصة.

- قمة السعادة للببلوماني حضور أحد معارض الكتب أو حتى السماع بإقامتها في مدينة أخرى .


- الببلوماني إنسان يرتدي بالضرورة نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب.


- الببلوماني المخلص لا يملك الكثير في البنك لأنه لا يستطيع كف يده عن أي كتاب جديد.


- ونتيجة لعقدة الذنب هذه يحاول إقناع نفسه دائما بأنه عند الضرورة سيبيع الفائض منها .. ولكنه في الحقيقة لا يقبل حتى إعارتها.


- وأخيراً الببلوماني الحقيقي لا يتذكر تاريخ زواجه أو في أي مرحلة يدرس ابنه، ولكنه يتذكر متى اشترى كتاباً يملكه.


ومع كل هذا أؤكد لكم بأن الببلومانيا مرض لذيذ وكفيل بتوسيع المدارك والاطلاع على كل جديد (ناهيك عن فائدتها في تحرير مقال يومي) .. ومن المهم هنا التفريق بين الببلوماني الأصيل ومن يشتري الكتب بغرض الدراسة أو نيل ترقية مشروطة .. فالأخير تنقطع علاقته بالكتب - وقد يسارع للتخلص منها - بمجرد انتهاء حاجته إليها. أما الببلوماني المخلص فعلاقته بالكتب لا تنقطع إلا بدخوله القبر )وهو ما يمكن التعجيل به بإحراق مكتبته.

ورغم أنني لن أصل يوما لمرحلة العبقرية أو الإبداع إلا أن التاريخ يثبت أن مامن عبقري أو مبدع سلم من هذا الداء - بدءاً بالشاعر اليوناني يوريبيديز في القرن الخامس قبل الميلاد وحتى المبدع الروسي باسترناك في هذا العصر.

فبالنسبة لهؤلاء العباقرة كانت الببلومانيا عادة لاغني عنها حتى يتراكم الفهم وتترابط الحقائق ويصل الدماغ لمرحلة "لابد للمكبوت من فيضان.

- هل تعرفون أكثر ما يغيظني في هذا الموضوع !؟ .. أنني لم أقابل حتى الآن أمين مكتبة مصاباً بهذا المرض - فيا حبذا لو اقتصرت هذه الوظيفة على الببلومانيين وحدهم............

كذلك لا يصيب إلا أمناء المكتبات ومن شابههم ، وأرجو من أمناء المكتبات بأن لا يغضبوا عليّ، لأني أفشيت سراً لا ينبغي لأحدٍ أن يعلمه غيرهم.

على أية حال، فإن هذا المرض، كما أعتقد هو من الصعب تشخيصه، إذ إن المصابين به، لا يشعرون بقلقٍ إزاءه أبداً، فهم دائماً مسرورون مبتهجون، لا سيما عندما يحصل أحدهم على كتابٍ نادر، إذ سوف يصبح الواحد منهم في حالة هستيرية عارمة، وذلك فقط بمجرد أن اقتنى الكتاب. إن المصابين بالببلومانيا، يتميزون عن غيرهم بحبهم الشديد للكتب، فهم يعشقون شكلها، ورائحتها، وصوت صفحاتها، كما إنهم مبالغون بخوفهم الشديد عليها، فهم يخشون عليها من الماء، ومن النار، ومن عبث الأطفال.

إن هذه الميزات، كما نلاحظ، ليست علامات على الإصابة بالمرض إطلاقاً، بل هي وبكل صدق، تعتبر صفات إيجابية، يتميزون بها هؤلاء الببلومانيون عن غيرهم. لكن، إذا سألتم عن العلامات الحقيقية للمرض، فهي كما أشار إليها عالم المكتبات محمد أمين البنهاوي، إلى أن المصابين بالببلومانيا حريصون على تجليد كتبهم بجلود غير مألوفة كجلد الفيل والثعبان والحوت، بل لقد بلغ بأحدهم الهوس، بحيث جعل غلاف كتابه ملفوفاً بجلد إنسان، وهذه تعتبر
حالات شاذة جداً!.

ومن الحالات الشاذة أيضاً هي أن الببلومانيين قد يأكلون الكتب، وهذه حقيقة، فلقد قيل إن أحد المصابين بهذا المرض، أقام لأصدقائه وليمة عشاء، قدم خلالها حساءً لذيذاً ممزوجاً بأوراق مغلية من ديوان أحد الشعراء! والأغرب من ذلك كله هو أن بعض المصابين بهذا المرض، قد يستطيعون معرفة المالك الأول للكتاب إذا كان الكتاب مختلفاً فيه!. لا، بل إن باستطاعة الواحد منهم أن يتعرف على عمر الكتاب من خلال صوت الورقات، بل ومن خلال لمسها أيضاً، بل باستطاعتهم تمييز ذلك من خلال نظرة سريعة في الكتاب.

ولعل من أشهر المصابين بهذا المرض من علمائنا الأوائل هو (ابن الملقن)الذي أصيب بالجنون عندما افتقد كتبه، وأما أشهر المصابين به من العصر الحديث، فهو الشاعر العالمي (بوريس باسترناك).

أخيراً، فإني أعتقد بأن هذا المرض لن يستشري إلا في وسط مجتمع أصبحت القراءة فيه عنصراً من عناصر الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها, ولهذا فإن الوطن العربي هو من أقل المجتمعات إصابةً بهذا المرض، نظراً لتدني عدد القراء فيه.


أ. عطا أحمد شقفة غزة - فلسطين

ليست هناك تعليقات:





التسميات



فى الختاااااااااااام

أرجــــــــو أن تكونوا قضيتم وقتا ممتعا فى موقعنا
ومن لديه
أى اضافات ، فاليتفضل بالاشتراك أو التعليق

رافقتــــكم الســـــلامه
،،،،،،،