الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

في علم النفس السياسي


في علم النفس السياسي




مفهوم الانتماء



لا إنسان خارج الانتماء، وما فكرة (اللامنتمي) أكثر من وهم، فكل امرئ منتم أكثر من انتماء واحد، قد يغلّب أحد انتماءاته على الأخرى، وقد يتعصب لانتماء يعده الأهم فيحكّمه بمواقفه وسلوكه وعلاقاته، وينسى الانتماءات الأخرى أو يضعف من تأثيرها في حياته.

وهذا التغليب، سواء أخذ شكل التعصب أم لم يأخذ، هو الذي يجعل الناس متنوعين في اصطفافاتهم وهو ذو صلة وثيقة بالصراعات الاجتماعية والسياسية، وخاصة حين يكون معبراً عن صراع حول المصالح الاقتصادية أو غلافاً له، فكثيراً ما نجد صراعاً شديداً أو عنيفاً، يبدو دينياً أو طائفياً أو عشائرياً أو قومياً، وهو في حقيقته صراع على مصالح معينة، غلّفها القادة بغلاف يثير نوازع التعصب لدى الناس ويدفعهم إلى تأييد هذا الزعيم أو هذه الشريحة أو معارضتها.

وعادة يكون الغلاف أحد الانتماءات المذكورة، لأنها بالأصل انتماءات موروثة، يقل فيها جانب الوعي ويكبر جانب الولاء، فحين تثور نوازع التعصب يكون الوعي الحقيقي هو لدى أولئك الزعماء الذين يعرفون مصالحهم ويعملون على تحقيقها بمختلف السبل، ولو كان في ذلك أذى للمجتمع. إنه وعي المصالح الذي يدفع إلى قتل الوعي لدى الناس كي يكونوا موالين دون تفكير سليم، وكي ينساقوا خلف زعمائهم، غافلين عن مصالحهم هم، التي هي مصالح الشعب والتي تتناقض مع مصالح هذه الفئة من المتنفذين أو تلك.

ثمة انتماء يتناساه المنتمون عادة، ولا تكترث له القوى المتصارعة غالباً، علماً بأنه قاعدة الانتماءات كلها، إنه الانتماء الإنساني، انتماء الواحد منا إلى هذا النوع المتميز صاحب العقل المتقد المبدع الفعال. ففي غمرات الصراع تتحرك القوى بدوافع لا تهم الإنسان بوصفه نوعاً، ولا تهتم بالفرد أو الفئة أو الشعب انطلاقاً من انتمائه الإنساني، بل بدوافع أخرى محدودة الأفق، تنحصر فيما يعدّه المتنفذون مصلحة لهم، أو للفئة التي يمثلونها أو يستخدمونها لتعزيز مواقعهم.

هكذا تضيع القاعدة الأساسية التي تنبثق منها كل الانتماءات، بل إن الانتماءات المتنوعة هي التي تقوم بتحطيم هذه القاعدة أو تحجيم دورها فينسى الإنسان إنسانيته، ويتغاضى عن مصالح النوع الواسع، بل قد يضحي بها من أجل مصلحة فئوية ضيقة.

وإذا تجاوزنا الانتماء القاعدي، الذي هو الانتماء إلى النوع الإنساني، فثمة ـ كما ذكرنا ـ نوعان من الانتماءات، بعضها موروث لا يد للمرء فيه، وبعضها يختاره بنفسه، عن وعي وإدراك، أو نتيجة ظروف تحيط به وتتحكم باختياره، لكنه، في كل الأحوال هو الذي يختار، وهو الذي يبدل اختياراته حسب قناعاته وظروفه.

أهم الانتماءات الموروثة، التي ينعدم دور الفرد في اختيارها، هي: الدين والطائفة والعشيرة والعائلة والقومية. هذه انتماءات تأتي مع الإنسان منذ ولادته، وتسجل له ويعد في إحصاءاتها قبل أن ينطق بكلمة واحدة، أي على الرغم من معرفته وإرادته.

وعندما يكبر الفرد يجد نفسه محكوماً بثلاثة من هذه الانتماءات، فهو منتم دينياً وطائفياً، ومنتم قومياً، ومنتم عائلياً أو عشائرياً. لكن الذي يحدد طبيعة تعامله مع هذه الانتماءات، ودرجة تحولها عنده من انتماء موروث إلى انتماء واع، ودرجة تحكمها بسلوكه، بدءاً من الانطلاق من أحدها، أو منها جميعاً، وصولاً إلى تجاوزها، هو الانتماءات الاختيارية اللاحقة التي هي: الانتماء السياسي أو الحزبي أو الفكري أو غير ذلك.

وحين يغلّب المرء انتماء من انتماءاته الموروثة، فإنه يهيئ نفسه للتعصب ولموقف إنكار الآخر وتفضيل نفسه عليه. وحين يغلّب انتماءه المختار، فإنه يهيئ نفسه لموقف أكثر عقلانية وتسامحاً. لماذا نقول هذا؟ وهل فيه نوع من الإطلاق؟ نقوله لأن الانتماءات المختارة قابلة للتبدل، ولا ثبات فيها إلا بإرادة صاحبها وقناعته. فتغيير الانتماء الحزبي أو الفكري أو السياسي هو أمر مشروع، وممكن، ولا عقاب له ـ في رأي المنتمين ـ لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضع المرء في تعارض كبير مع بيئته الاجتماعية. أما الانتماءات الموروثة فهي غير قابلة للتبدل، وحين يحدث أن يغير أحد دينه أو طائفته يقع في موقع التعارض مع وسطه العائلي والاجتماعي، وقد يجد نفسه منبوذاً أو عرضة للهلاك.

الانتماءات الموروثة قد تشكل قيوداً على الإنسان إذا لم يكن على درجة كافية من الوعي لطبيعتها ودورها، أما الانتماءات المختارة فهي أقل تقييداً، لأنها قابلة للتبدل.

لذلك….. يمكننا القول إن المجتمع يكون أكثر قابلية للنهوض إذا كان دور الانتماءات المختارة في حياته السياسية والثقافية والاجتماعية أكبر من دور الانتماءات الموروثة. انطلاقاً من أن الحوار بين التيارات القائمة على انتماءات اختيارية هو أسهل وأجدى منه بين التيارات القائمة على انتماءات موروثة.

وعلى هذا فإن السعي إلى تعزيز النشاط الاجتماعي والسياسي والفكري المرتكز على الانتماءات المختارة، هو طريق النهوض السليم للمجتمع، وهذا لا يتحقق إلا بالتوازي مع تعميق فكرة المواطنة ومفهوم المواطن في الحياة السياسية. وواضح أن فكرة المواطنة تقوم على تجاوز الانتماءات الموروثة في تقويم الناس وتحديد العلاقة فيما بينهم، ولعل الإطار الملائم للوصول إلى ذلك هو العلمانية التي لا تلغي، ولا تستطيع أن تلغي، أياً من الانتماءات الموروثة، ولا تضيق بها، ولكنها تلغي، أو تضعف إلى حد كبير، تأثيرها في الحياة السياسية وإدارة الحكم وتحديد حقوق الناس.

إن الحراك السياسي القائم على حياة حزبية وثقافية وفكرية ديمقراطية، هو الذي ينهض بالمجتمع. وحين يضعف الحراك السياسي تنمو الانتماءات الموروثة ويزداد تأثيرها، كما نجد في مجتمعاتنا العربية.

ولكن حذار من التعصب أيضاًَ، فقد ينساق المنتمي إلى تيار حزبي أو فكري وراء نزعة التعصب، لأن أثر الانتماءات الموروثة وسماتها العقلية والسلوكية ما يزال قائماً في نفسه وهو يظن أنه تجاوزه.





إلى هنااااا............



د/عطا أحمد شقفة – أستاذ علم النفس السياسي






ليست هناك تعليقات:





التسميات



فى الختاااااااااااام

أرجــــــــو أن تكونوا قضيتم وقتا ممتعا فى موقعنا
ومن لديه
أى اضافات ، فاليتفضل بالاشتراك أو التعليق

رافقتــــكم الســـــلامه
،،،،،،،